إن المؤتمر الأخير للحزب الشعبي، أحد أكثر الأحزاب فسادًا في أوروبا، يدفعنا إلى التأمل العميق في صحة ومستقبل الأندلس. فمع عشرات القادة المدانين بالفساد، والتمويل غير القانوني، ومقر بُني بأموال سوداء، وآخرين في انتظار المحاكمة لنفس الأسباب، قام الحزب الشعبي بتأسيس نموذج فاسد من الإدارة قائم على المحسوبية والإثراء غير المشروع. هذا السلوك لم يعد استثناءً، بل أصبح سمة دائمة لمساره السياسي، ولا يزعج جزءًا من ناخبيه.
ويزداد هذا الخط الفاسد وضوحًا عند النظر إلى إدارة الحزب الشعبي في الأندلس. فانهارَت الخدمات العامة الأساسية مثل الصحة والتعليم، وتم تسليم الموارد العامة للقطاع الخاص، مما يكشف عن خطة ممنهجة تُفضِّل أرباح القلة على رفاهية الجميع. إنها سياسة متعمدة لتدمير القطاع العام لصالح المصالح الخاصة. هذا النوع من الإدارة الذي يركز على الربح الخاص يضر مباشرة بالمواطنين، خصوصًا الأكثر ضعفًا.
الفساد جزء لا يتجزأ من الثنائية الحزبية. فالحزب الاشتراكي، رغم تقديمه لنفسه كبديل، متورط في قضايا فساد متعددة، وآخرها وأخطرها «قضية كولدو-أبالوس-سيردان»، المعروفة بـ «قضية الحزب الاشتراكي»، ولا يرغب في تبني إجراءات صارمة للقضاء عليه. إن غياب تدابير مثل المنع الدائم للشركات الفاسدة من الوصول إلى العقود العامة، يُظهر التهاون في التعامل مع هذه المشكلة الهيكلية. هذا التراخي من قبل الثنائية الملكية لا يُبقي على دورة الفساد فحسب، بل يحرم الأندلس من فرصة تطوير نموذج إنتاجي وصناعي شفاف وعادل. وطالما أن نفس الشركات التي عملت في عهد الديكتاتورية الفاشية ما زالت تتمتع بحق الوصول إلى العقود العامة في الأندلس، فإن البنية الإنتاجية للأندلس ستظل خاضعة لمصالح القلة، دون أمل في تنمية مستقلة وعادلة.
في هذا السياق، فإن موقف النقابات مثل UGT وCCOO محبط للغاية. دعمهم لسياسات التسلح، والناتو، والحروب، أو سلوكهم خلال إضراب عمال المعادن في قادس، يتعارض كليًا مع مبادئ النقابية الطبقية التي لطالما دافعت عن السلام وحقوق العمال، الذين هم أول المتضررين من الحروب. متى تحولت النقابات الطبقية، التي وُجدت لحماية العمال، إلى مؤيدة للحروب؟ هذا سؤال يتطلب إجابة واضحة ونقدًا ذاتيًا عميقًا. تحتاج الأندلس إلى نقابات طبقية ذات طابع أندلسي وفيدرالي، تدافع عن نموذج اقتصادي واجتماعي عادل، ولا تخضع لمصالح النخب، سواء كانت من مدريد أو دولية. يجب أن يكون صوت العمال الأندلسيين مستقلاً وموجهًا لبناء مستقبل من السلام والازدهار لهذه الأرض.